عُرف عن السيد الصدر لجوءه للمقاطعة والانعزال لأكثر من مرة، ولا أعتقد أن مقاطعته لجلسة البرلمان يوم الاثنين 7 شياط ستكون الاخيرة. مع ذلك يمكن القول أنه في مقاطعته للعملية السياسية قبل موعد الانتخابات الأخيرة حقق مكاسب كثيرة من خلال استثمار عاملَي الوقت والجمهور في تشتيت قوة منافسيه من جهة وتجنب الاصطدام معهم من جخة أخرى. فحينما قاطع الصدر انتخابات تشرين الماضية قبل بضعة أشهر من أنطلاقها نجح في تصدير الضغوط التي حاول منافسوه تسليطها عليه الى ملعبهم. صحيح ان بعض القوى،المحسوبة على الاطار حالياً قد تكون فرحت بأنسحابه آنذاك بأعتبار أن ذلك سيتيح لهم مساحة اوسع لكسب الانتخابات،الا ان قوى سياسية أخرى،منها حكومية ومنها ما هو محسوب على الاطار حالياً(مثل السيد العامري)،فضلا عن القوى الدولية،أستشعروا خطورة أنسحاب الكتلة الصدرية كون ذلك سيطعن جدياً في شرعية الانتخابات وما يمكن أن يتبع ذلك من مخاطر أمنية. وعلى الرغم من أن الكتلة الصدرية لا تمثل أكثرية سواء في الشارع (الشيعي) أو على المستوى العام،الا أن صلابة القاعدة الجماهيرية الصدرية وانضباطها فضلا عن الثقل الرمزي للسيد الصدر جعل أنحيازها الى الأغلبية(الشيعية) والشعبية المقاطعة للانتخابات آنذاك مصدر قلق سياسي وأمني كبيرَين. وفعلاً نجح السيد في استثمار عاملي الوقت،والجمهور المقاطع للانتخابات والنظام السياسي عموماً لأجبار منافسيه على تقديم(تنازلات) من خلال ما عُرف بورقة الاصلاح التي وقعتها كثير من القوى السياسية آنذاك.
هذا التقدم الذي أحرزه السيد الصدر آنذاك والذي أتاح له ليس فقط شق منافسيه،بل كسب جمهور آخر متأرجح بين المقاطعة والمشاركة،مهد الطريق لاحرازه فوزاً كاسحاً في الانتخابات الأخيرة. هذا التقدم الذي يسمى في الستراتيج العسكري(التقدم الدباخي أو تكتيك قفزة الضفدع leapfrogging tactic ) يعتمد على تجنب الصدام المباشر واستخدام التوقف واحيانا الانسحاب تمهيدأ لتحقيق الغاية النهائية. ويبدو أن السيد قد أدرك نجاح مناورته السياسية السابقة فقرر أتباعها مرة أخرى بخاصة وأن عاملَي الوقت والجمهور ما زالا يعملان في صالحه. فالاستحقاقات الدستورية لتعيين رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة ليست ضاغطة فقط على الكتل السياسية التي لا تتوافق مع هذه الحكومة،بل وعلى القوى الخارجية بخاصة وهي ترصد نشاطاً متنامياً للتهديدات الامنية وتحركات وأستحقاقات أقليمية ودولية(كالمفاوضات النووية) تتطلب تشكيل حكومة عراقية بأسرع وقت.وبدلاً من الوقوف في موقف المدافِع في ظل الضغوط الاعلامية والشعبية التي سُلطت على التيار الصدري وحلفاءه خلال الاسابيع الماضية،وكذلك في ظل التحركات السياسية لقوى الاطار وقرار المحكمة الاتحادية الذي أقر نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة القادمة للبرلمان، فقد قرر السيد الصدر ايقاف قطاره في المحطة الحالية. هذا التوقف كما يأمل السيد الصدر سيعيد تصدير الضغوط الى الاطار التنسيقي وحلفاءه الذين لن يتمكنوا بالتأكيد من عقد جلسة البرلمان والمضي في الاستحقاقات الدستورية من جهة ويجعل الكثير من البرلمانيين المتأرجحين الذين سعى الاطار لكسبهم أكثر ميلاً للابتعاد عنه. وأذا أضفنا لذلك ان حوالي ثلثي الناخبين العراقيين ممن قاطعوا الانتخابات هم أساساً مقاطعين للعملية السياسية ويضغطون على المستقلين والتشرينيين الذين أنضموا للبرلمان فأن أحتمالات فوز قوى الاطار بهذه القوى البرلمانية ستكون معدومة. كما أن تزايد الضغوط والتهديدات الامنية والسياسية داخلياً وخارجياً سيجعل قوى الاطار تحت ضغوط ستسرع في احداث الانشقاقات،بخاصة وانهم سيبدون الآن وكأنهم هم من يعرقلوا الأستحقاقات الدستورية ويشقون الجمهور(الشيعي)المقاطع في أغلبيته للعملية السياسية والذي سيجعل من خطوة السيد الصدر دليلاً مضافاً على صحة قراره بمقاطعة الانتخابات.
مع هذا ورغم أن احتمالات نجاح هذا الاسلوب(الدباخي) متوقعة جداً،الا أنه يمكن ان يحمل معه مخاطر أهمها احتمالية تصدع التحالف الثلاثي مع الشركاء من(قوى السيادة) والديموقراطي الكورستاني. لكن يبدو ان هناك تفاهمات عميقة بين السيد وبين شركاؤه تجعل هذه الاحتمالات ضئيلة.أعتقد أن الايام القليلة المقبلة ستشهد الكثير من التحركات السياسية محلياً وأقليمياً ودولياً بأتجاه أقناع السيد بالعودة عن قراره. فأذا كان من الممكن للحكومة المقبلة أن تتشكل بدون من يرفضهم السيد الصدر،فأن تلك القوى الداخلية والخارجية تدرك أنه لا يمكن للحكومة ان تتشكل بدون ان تكون الكتلة الصدرية(راضية) على الاقل عن الحكومة. كما انها تدرك أنه أذا كان يمكن ان تكون هناك معارضة في البرلمان تتشكل من القوى التي لا تتوافق مع الكتلة الصدرية،فأن ذهاب الصدريين (الذين وأن كانوا لا يشكلون الا ربع البرلمان) الى المعارضة سيكون بمثابة الربع المعطل الذي لا يمكن لأي حكومة أن تتجاوزه.
613