يبدو أن القانون المغيب في أروقة مجلس النواب العراقي الموقر منذ التصويت عليه في نهاية العام الماضي، فيه ثغرات فنية جسيمة تحتاج علاج جذري ولا يمكن السكوت عنها وإجراء انتخابات وفق هذا القانون إذا أردنا انتخابات حرّة نزيهة كما ذكرها هذا القانون.
نحتاج قانون يلبي طموح الشعب العراقي وطموح من تظاهر لإجل التغيير والإصلاح الحقيقي فلا يمكن وفق هذا القانون نرى إصلاح يتسم بشيء من المعايير الدولية للقوانين الانتخابية ولا نقول كل المعايير لأن هذا المطلب يصعب إن لم نقل يستحيل تنفيذه في الوقت الراهن.
سوف لن اتطرق هنا أبداً للخلافات والاشكالات الدستورية والقانونية فهناك من هو أجدر مني وقد كتبوا كثيراً عن هذاه الخلافات ولا تزال الأقلام تبدع في إظهار العلل لمعالجتها، لذا سأعرج هنا على الفقرات الفنية والإجرائية البحتة حيث أجد فيها من الثغرات الجسيمة، واستطيع أن أقول إن هذا القانون سوف يطلق رصاصة الرحمة على مجمل العملية السياسية عموماً والانتخابات خصوصاً وأوجزها بالنقاط التالية:-
- القانون مقتضب لا يعطي لأهم البنود إيضاحات سهلة التنفيذ وواضحة المعاني بدءاً من التعاريف غير الواضحة وثلث التعاريف تحتاج تصحيح، إلى تسجيل الناخبين وشروط المرشح والعقوبات وتوزيع المقاعد والكوتا وترسيم الدوائر .. الخ.
- لا يمكن إجراء انتخابات مع وجود سجل ناخبين غير موثوق فيه يدقق بعد الانتخابات بصراحة استغرب جداً وجود هكذا فقرة في القانون الانتخابي الجديد والمفترض أن أحد أهم أسباب تعديله هو لإنجاز انتخابات شفافة ونزيهة.
- لنقرأ المادة 38 بتمعن وبشيء من الاسهاب في كل ما دوّن فيها:- كيف أُجري انتخابات وأًقر بوجود أجهزة لتسريع النتائج وعندما يتم استخدامها ويكتمل العد والفرز في كل مركز انتخابي بهذه الأجهزة يعاد الفرز يدوي وإن كان فرق 5% وأكثر يعاد لكل محاطات المركز يدوياً ؟؟؟ بصراحة استغرب لمثل هكذا فقرة تدرج في قانون انتخابي لبلد يريد استقرار وإصلاح!!! فلنتوقع كم عدد من سيفوز في العد والفرز الأول وكم منهم سيتغير من فائز إلى غير فائز في العد والفرز الثاني وخصوصاً إذا تجاوزت نسبة الخطأ أكثر من 10 أو 20%، إن إقرار طريقتين للعد والفرز يؤكد بأن المشرّع لا يثق بالأجهزة ولو كانت هناك ثقة لما وضع بعدها عد وفرز يدوي واعتمدها بأن أي شكوى يحتسب نتائج العد اليدوي!!!.
وفي الفقرة ثامناً من نفس المادة أعلاه يدقق سجل الناخبين إلكترونيا بالبصمات وإن كانت نسبة الخطأ 5% أو أقل ممكن قبولها وإن تجاوزت فنعود إلى سجل الناخبين اليدوي!!! كذلك هنا تراود الشكوك في البصمة والسجل الألكتروني فلماذا لا أجد طريقة واحدة دقيقة وقابلة للتنفيذ.
هذه نقطة مهمة أرجو دراستها بعناية حتى لا تعود بنا الأمور إلى أسوأ مما حصل في انتخابات 2018م وتم استبدال مجلس المفوضين بقضاة ولكن اليوم إذا كانت انتخابات مبكرة فقد لا يكون هناك مجلس نواب يستبدل مجلس مفوضين !! أين تتجه الأمور في هذه الحالة وهذا وارد جداً.
- في المادة 39 رابعاً:- ((يصوّت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقة البايومترية حصراً)). ببساطة تعني هذه الفقرة إلغاء انتخابات الخارج، وقد يسأل سائل لماذا فأجيب كون التسجيل واستلام البطاقة البايومترية في داخل العراق يطول ستة أشهر أو أكثر حتى تصلك البطاقة البايومترية والمفروض كان هناك خطة لإنجاز سجل ناخبي الخارج وبتعاون المفوضية مع سفارات العراق كي يتم تسجيلهم وحصولهم على البطاقة البايومترية وهنا فائدة كبيرة في تسجيل عراقيي الخارج حتى تعرف المفوضية كم عدد ناخبي كل محافظة في كل دولة ليتسنى لها تهيئة أوراق اقتراع لكل دولة بعدد الناخبين لكل محافظة بينما بدون تسجيل سيضاعف الكلفة وزيادة عدد أوراق الاقتراع وهناك تفاصيل أخرى.
- في المادة 40 أولاً وثانياً وثالثاً فيها تفاصيل ملخصها بعد الانتخابات يشكل مجلس النواب لجنة من ممثلي نواب كل محافظة وعضوية كل من وزارة التخطيط والداخلية والتجارة ومفوضية الانتخابات وبمعونة الأمم المتحدة تقوم هذه اللجان في كل المحافظات تدقيق سجلات الناخبين وعند وجود زيادة 5% أو أكثر وتدقيق الزيادة أو الخطأ على أن تنجز أعمال هذه اللجنة خلال سنة. ولا تعد نتائج الانتخابات في المحافظات كافة أساس لأي عملية انتخابية مستقبلية أو سابقة لأي وضع سياسي قبل الانتهاء من عملية تدقيق سجل الناخبين فيها !!!!؟؟؟ لا تعليق !!! ممكن نتخيل كم سيكون الفارق ومن سيخرج بعد فوزه ومن سيستبدل وهل هناك محافظات سيتغير أعداد ممثليها في البرلمان ؟؟؟ وبقاء التدقيق عام كامل بعد الانتخابات طيب لماذا لم تشكل اللجان قبل التصويت على القانون كان ممكن تكونت الآن هناك فكرة عن هذا الموضوع. ولا أعرج على المادة 41 التي تفصل معايير تنفيذ المادة 40 فقط تطرقت على المضمون وما ستؤول إليه نتائج تحقيق لمدة عام كامل.
- لم اتطرق لفقرات كثيرة وقد نحتاج مراجعة كل فقرة وكل تفرعاتها كون هنالك كثير من الفقرات تحتاج إيضاح وتفصيل وحتى مسألة الأحكام الجزائية والدعاية الانتخابات وشروط الناخب وشروط المرشح … الخ. ركزت هناك على أمور فنية بحتة قد تعيدنا إلى المربع الأول وقد تكون نتائج الانتخابات وفق قانون فيه ثغرات جمة أسوأ من الانتخابات الماضية.
التوصيات:-
- تبني مجلس النواب (اللجنة القانونية) أو إحدى الرئاسات أو إحدى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة أو غيرها عقد ورشة عاجلة مع الإعلان مسبقاً لطرح موقع الكتروني واستقبال كل المقترحات والملاحظات قبل عقد الورشة وبالإمكان حضور اكاديميين وباحثين وممثلي الأحزاب والمنظمات للوصول إلى أفضل الحلول في كل فقرات القانون.
- لا بدّ أن يكون سجل ناخبين موحد وطريقة عد وفرز النتائج موحدة موثوق فيها سهلة وواضحة.
- لديّ مقترح حول معالجة إشكالات سجل الناخبين وجعله سجل موحد لكل العراقيين وله ورقة مفصلة.
- لديّ مقترح إعلان النتائح لكل العراق بوقت (24- 72) ساعة فقط وقد تكون أقل وهذا يعتمد على اتفاق الشركاء للعملية السياسية وقناعتهم بالطريقة وكيفية إجراؤها ومراقبتها وحتى عرضها في موقع المفوضية.
- ضرورة ديمومية التعاون والتواصل بين كل شركاء العملية السياسية واليوم هناك فجوة كبيرة بينهم هي أهم معوقات إجراء انتخابات حرة نزيهة وبمشاركة واسعة ومراقبة مهنية. وأعددت لهذا الأمر ( المبادرة الوطنية للتعزيز الديمقراطية).
- لديّ مقترحات كثيرة طرحتها بموضوع ((الإصلاح الشامل للمنظومة الانتخابية)) فلا إصلاح بتعديلات من هنا وهناك لفقرات من بعض القوانين الانتخابية نحتاج مراجعة شاملة ومتابعة مستمرة ليتحقق الإصلاح الشامل.
آملين أن نرى استجابة سريعة لمعالجة ثغرات القانون لإنجاز انتخابات موثوقة بطرق مدروسة وبمهنية عالية لتجنب ما لا يحمد عقباه وبتعاون كل شركاء العملية السياسية (السلطات الثلاث/ مفوضية الانتخابات/ الأحزاب السياسية/ المنظمات الدولية والمحلية/ المانحون / الناخبون .. الخ). حتى تسير العملية السياسية بطريق سليم وواضح ولا نعرف ما تؤول إليه نتائج انتخابات تجري وفق هذه الإشكالات الجسيمة فقد تطلق نتائجها طلقة الرحمة على مجمل العملية السياسية.
هذا ما وددت ايجازه لإيضاح مخاوفي من هذا القانون، ولمن يرغب بالتفاصيل الدقيقة سأوصلها له ولم أنشرها هنا لأني سبق وإن كتبت عشرات الصفحات دون ان تلاقي أي اهتمام.
المرفقات:-
- الإصلاح الشامل للمنظومة الانتخابية.
- المبادرة الوطنية لتعزيز الديمقراطية.
- معضلة إعلان النتائج وطرق تسريعها.
- مقترح إعداد سجل ناخبين موحد.