دَعــوَة للـتــخـلي عَـن صُنــع الطـغـاة

       الطاغوتية { هي بالمختصر مجاوزة الحد، كمجاوزة الحق الى الباطل ومجاوزة الخير الى الشر ومجاوزة الشورى الى الاستبداد}

   اقرأ واتابع وأتألم ما يُكتب وما ينشر في مواقع وتجمعات ثقافية ووسائل التواصل الاجتماعي من شخصيات محسوبة على الوسط الثقافي تمجد الطغاة أو الأشخاص أو المسؤولين حالياً أو منذ سنين مضت. وقد يدعو هذا الى اليأس وعدم القدرة على إحداث تغيير وإصلاح، وقد نجد ذلك على مستوى قيادة البلد وكذلك على مستوى قيادة عموم مؤسساته الرسمية وشبه الرسمية بحيث نرى ذلك في الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الدينية والنقابات. فلكل رئيس أو مدير أتباع ومكتب وحاشية معظمها تمجد وتؤسس لبناء طاغية إلا ما رحم ربي، وهناك الكثير من يصنع طاغوته في الحياة، وبدون أدنى شك لا يولد الانسان طاغية بل يتحتاج الى تربة خصبة تنبت بذور الجبروت الخاصة به ويعينه من حوله على صعود سلالم الطغيان خطوة خطوة ولعلنا نرى أن معظم الطغاة في العصر الحديث هم قادة عسكريين أذلوا شعوبهم طيلة فترة حكمهم وهذه رؤية عند كثير ممن يحمل السلاح أن تنغرس في نفوسهم تصورات بأنهم أعلى درجة ممن سواهم وتفرض عليهم الطاعة المطلقة لقادتهم وتحرم الخروج عليهم واليوم عمّ هذا في المؤسسات الحزبية وخصوصاً إذا تولى رئيس الحزب منصب رفيع!! وما حل بنا هو ليس بسبب الطغاة فقط بل سببنا نحن.

مقالات ذات صلة

       في إحدى مؤتمرات الزعماء العرب المختلفين والمتضادين قال الرئيس الجزائري للقذافي سيادة الزعيم هناك أُمية في بلدك كثيرة فقال له خليهم لأن من يتعلمون يثورون علينا فقال له يثورون وهم متعلمون أفضل من أن يثوروا وهم أُميين !!!! وكلنا نعرف ماذا فُعِلَ بالقذافي !!! فالجهل هو عدو الحرية لذلك الطغاة يرغبون بالأُمية ولكن من المؤلم اليوم أن بعض من المثقفين هم أساس لصناعة الطغيان على مستوى قيادة الدولة وكذلك مؤسساتها وأحزابها !!

      لذا نشعر بأننا بعيدين حالياً عن إصلاح حقيقي فعلي بل نتأسى على الماضي في بلداننا التي يحكمها عسكر عائلة أو أشخاص أو حزب لعقود من السنين وننتظر صناعة طاغية جديد يقودنا الى استعباد واستبداد جديد مع العلم هناك فسحة لصناعة الحرية وتثبيت ركائزها وتاسيس مشروع يتبادل فيه القادة المخلصون أدوارهم وكل من موقعه !!! ولننظر الى تاريخ البشرية من آلاف السنين فبني إسرائيل عندما تحرروا من طغيان فرعون شرعوا لعبادة عجل وهذا الطاغوت الجديد صنعه بشر كانوا مستعبدين لعقود من طاغوت متجبر فأمسوا يميلون فطرياً للتقديس وصناعة الطاغوت.

     أنا رجل عشت وترعرعت في بيئة مسلمة عربية عراقية محافظة ولكن بعد عملي في مفوضية الانتخابات لسنين عديدة زرت عشرات الدول وراقبت انتخابات بدول عربية وأجنبية أتألّم عندما أرى لدينا الفرصة لنتحرر من قيود الطغاة ولكن لا نفعل ففي كل الدول الديمقراطية لا يوجد تمجيد لقائد حزب أو زعيم عسكري أو رئيس دولة أو رئيس وزراء ويعتبرون أي إنجاز لأي منهم هو من واجباته وليس منّة منه. وراقبت في انتخابات المانيا عام 2010م وجدت حزب ديني مسيحي وحزب الخضر وحزب اشتراكي وأحزاب أخرى، لكن كلهم تحت سقف الوطن ولا أحد فوق القانون فالمتدين مسموح له والاشتراكي مسموح وهناك أحزاب ضد المهاجرين ومسموح لهم وأحزاب تمثل الجاليات .. والكل تقبل بالكل.

      فمؤلم إننا لا نكون كالغرب ولا كالمسلمين الأوائل القدوات الذي سادوا الدنيا ونشروا العدل. ولنأخذ أمثلة من أزمنة خلت وأخرى من عصرنا الحاضر {{ قال تعالى مخاطباً نبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم( وشاورهم في الأمر) هذا مع أعلى سلطة دينية وسياسية وعسكرية في ذلك العصر. وكان هذا في عصر النبوة والخلفاء الراشدين وانتهت بعدهم في عهد الدولة الاموية ومن ثم العباسية،  وعندما تولى الخليفة الصديق رضي الله عنه قال في خطبته (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على حق فقوموني وأن رايتموني على باطل فسددوني)، وأما الفاروق عند توليه الخلافة قال ( رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي)، أما في عصرنا الحاضر ( يقول الشاعر الفلسطيني نائل بلعاوي المقيم في النمسا لم أسمع من يقول شكراً للحكومة على هذا الأداء البارع لا في النمسا ولا في جارتها الكبيرة المانيا على اعتبار حققتا إنجازا كبير ضد الوباء فلا أحد يقول شكراً لميركل أو كورتز ولا أحد يمدح القيادة الحكيمة للمرحلة الحرجة يقول قلت لصديقي النمساوي اعجبتني الحرفية العالية لحكومة كورتز خلال الأزمة فأجاب – هذا دورها وإن لم تحققه فعليها أن ترحل- ولكن حققتها إلا تستحق الشكر فقال – لا ولماذا نشكرها  فالحكومة ورئيسها يتقاضون أجور شهرية عالية للقيام بمثل هذه الأدوار والأزمات تحديداً فهم يعملون لخدمتنا يا صديقي وهذا شغلهم!!!)) ولناخذ مثل آخر من البوسنة والهرسك فقد كان علي عزّت بيجوفيتش يصلي الجمعة في الصف الأول وذات مرة وصل متأخراً ففتح له الناس الطريق ووصل للصف الأول فأستدار بغضب  الى المصلين وقال مقولته الشهيرة ُ((هكذا تصنعون طواغيتكم))، نكتفي بهذه الأمثلة من عصور مختلفة }}. والحاكم العادل يقوِّمه ويعينهُ حاشيته وكل شعبه ويتقبل ذلك، أما الحاكم المستبد يجعل شعبه مستبد معه ويعينه في ذلك الاستبداد بدل أن يكون المعين على إصلاحه وتصويب أخطاءه فيكون جزء من أدوات صناعة الطاغوت كرهاً أو طواعية، ولكن الواجب هو أن تجابه الظلم والفساد وتعمل لإزالة أي أثر للطغيان والاستبداد.

    أخيراً متى نجتمع لنصلح العباد والبلاد !! متى نتفق لتقويم وتصويب الخلل هل نستطيع أن نجلس بمختلف آرائنا وتوجهاتنا ونتعاون على إيجاد حلول لمناطقنا ولمحافظتنا الحبيبة ولعراقنا العزيز بكل مؤسساته الرسمية وغير الرسمية وكل من موقعه، أتمنى ذلك، وهذا بشكل عام وقد يكون دعوة لكل مؤسسة أو حزب أو منظمة بأن يتعاون أفرادها مع مسؤوليها لنبذ أي استبداد في الراي وتعظيم للأخطاء وتمجيد لأي موقف معين  حتى أمسى التمجيد ممل وواضح ويشعر به أبسط مواطن.

   ليكن مسك الختام لهذا الموضوع المهم ما قاله الغزالي رحمه الله:-

  1. إن الفراعنة والأباطرة تألهوا لأنهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي.
  2. إنما فسدت الرعية بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء فلولا قضاة السوء وعلماء السوء لقلّ فساد الملوك خوفاً من إنكارهم.
  3. إن إقامة صروح العدل الاجتماعي في بلد مختل كإقامة قواعد الأدب في بلد منحل.
  4. إذا أردت أن تغير وضعاً خاطئاً فعليك بتجهيز البديل أو لا، قبل أن تبادر بتغيير هذا الوضع.
  5. مألوف في تاريخ النهضات أن اليقظة العقلية تسبق دائماً النشاط السياسي والاجتماعي.

                  رحم الله الغزالي فكم نحتاج من جهد ووقت لتنفيذ ما يقوله قبل أي إصلاح للنفس والمجتمع والمسؤول والقائد والمدير.

    أعتذر لصراحتي فقد لا يقبل البعض ما أقول لكن أطرح رأي وأحترم آراء الآخرين حتى من يخالفني وأكرر لدينا الفرصة فلا نتركها رغم كل العقبات الداخلية والخارجية لاستغلال شيء من الحرية ولتعزيز الديمقراطية وتثبيت فكرة التداول السلمي للسلطة ولا أحد خارج المساءلة ونصنع مشروع الكل فيه جنود وقادة ويتبادلون الأدوار، لا نصنع قائد الكل جنود له.

سعد الراوي

نائب رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق/ الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى