الشعوب تتمنى التحرر وتعيش في ظل الحرية والديمقراطية وأن يكون لها دور في السلطة وتختار ممثليها بشكل سلس وآمن وفق قوانين تراعى فيها تطلعات الشعب للعيش الرغيد والحياة الكريمة التي لا تفرق بين شخص وآخر ولا أحد يعلو فوق القانون.
وممكن إيجاز مفهوم الديمقراطية فهي كلمة يونانية الأصل بمعنى حكومة الشعب، أو سلطة الشعب، فالشعب بالمفهوم الديمقراطي يحكم نفسه بنفسه، وهو مصدر السلطات في الدولة، فهو الذي يختار الحكومة، وشكل الحكم، والنظم السائدة في الدولة؛ وهذا غاية ما يطالب به كل شعب ومنها الشعوب العربية وعندما تفتقر لذلك وخصوصا عندما يحتكر السلطة حزب واحد أو عائلة أو شخص يبدأ هنا تحسس من الأمر بعد تفاقم الإشكالات وعدم حلها بل تتضاعف.
لسنا بصدد البحث عن أسباب ثورات الربيع العربي فهي كثيرة ومختلف في تفاصيلها لكن ما وددت أن أعرج اليه هو أنها أسقطت نظم الحكم أو هرم الأنظمة، وتفشل في تثبيت أركان الدولة وترسيخ الديمقراطية المنشودة.
ولذا ساعرج هنا وحسب رأي المتواضع فقط عن أسباب الفشل لثورات الربيع العربي أو تعثرها واوجز ذلك بالنقاط التالية:-
أولًا:- الكل تتفق على التغيير ولكنها تختلف في البديل. (وهذه النقطة تحتاج لوحدها بحوث وكتب).
ثانيًا:- عدم وجود أحزاب سياسية متأصلة لها باع طويل وممارسة عميقة في العمل السياسي الفعلي وليس بالمعارضة سواءً بالسر في الداخل أو العمل العلني في الخارج. فمهما كان العمل الحزبي علناً أو سراً يختلف تمامًا عن الوصول للسلطة وهذا ما يؤثر عليه وعلى جمهوره فقد ينهي جمهوره أو يضاعف مؤيديه.
ثالثًا:- الخوف المتبادل والشديد بين الأحزاب ذات التوجهات الدينية وغير الدينية أو التي تأسست بعد الثورات فكثير من الأحزاب الإسلامية لها تنظيم منذ سنين طوال فقد تأخذ مكانة أكبر من حجمها الحقيقي لحين تأسيس أحزاب ذات توجه علماني أو ليبرالي أو قومي وبعد دورتين أو ثلاث انتخابية تتغير الأمور وتتضائل أدوار كل هذه الأحزاب وقد تفشل كثير منها. وأسباب ذلك كثيرة أهمها عدم وجود مشاريع سياسية وطنية بل أغلبها تبتغي الوصول للسلطة واستبدال من فيها.
رابعًا:- الأحزاب أو القادة السابقين (قبل الثورة) لهم سطوة على كل المنظومة الأمنية ( الجيش / الشرطة / الامن / المخابرات .. الخ) وكذلك السيطرة على الاقتصاد ورسم سياسة البلد. وهذا ما يجعل التغيير هش إن لم تراعى هذه المسألة وخصوصا عندما تُهضم حقوقهم ويعتبرهم الكثير إنهم أعوان النظام السابق. وممكن تونس انفردت بتخفيف هذه المعضلة لأنه تم تشريع (قانون العدالة الانتقالية) حيث ينهي هذا القانون كل المظالم السابقة في عهد قبل الثورة وفي الفترة الانتقالية وأسست له دائرة مستقلة لتنفيذه (هيئة الحقيقة والكرامة). لذا تونس بقيت صامدة لغاية الأن رغم وجود عقبات أخرى لا مجال لذكرها الآن.
خامسًا:- هناك تأثيرات دولية وإقليمية وعربية من المتغيرات وهذا ما لمسناه سواء للتخطيط بإحباط الثورة أو لدعم طرف على حساب طرف وهناك من كان يريد افشال كل هذه الثورات واخمادها والانتقام من قادتها. وطبعا كل دولة لها مبرراتها بالتدخل سواءً علني بالإعلام أو سرًا بالدعم المالي وغيره. ومن الصعب اجتياز هذه التأثيرات إن لم نقل مستحيل.
سادسًا:- قصر الفترة الانتقالية وضعف المنظومة القانونية الديمقراطية والتلكأ في تشريعها. حيث نجد القوانين التي شرعت مقتضبة ولا تلبي الطموح ولا تشمل كل منظومة القوانين التي تخص الانتخابات والأحزاب والإعلام.. الخ. مما أثر سلباً.
سابعًا:- ضعف أو ضحالة الثقافة الديمقراطية عند عموم المواطنين وحتى كثير من النخب السياسية وغير السياسية. فالكثير يتصور بتغيير القائد أو الحزب سيصبح البلد مزدهر وآمن وحر ديمقراطي ونسي بأن ذلك يحتاج وعي وثقافة عالية ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحاكم والمحكوم.
ثامنًا:- ضعف دور الأمم المتحدة وخبراؤها فلم تأخذ دورها الريادي في التطور المنشود للتحول الديمقراطي السلس والبنّاء. وحتى كثير من المنظمات الدولية الأخرى لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأمم المتحدة.
تاسعًا:- ظهور منظمات تعد بالآلاف في هذه الدول لكن القليل منها عمل بحيادية ومهنية وقد تكون حُوربت من بعض القادة الساسين والكثير منها لم تأخذ أي دور يذكر في بناء مجتمع متماسك ديمقراطي مع العلم إن بعضها تكون مدعومة من أحزاب السلطة.
عاشرًا:- إهمال تام أو شبه تام لدور الشباب ذكورًا وإناث وتوعيتهم وتهيأتهم ليقودوا التحول الديمقراطي بطريقة تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وبفكرة قبول الآخر وإن لا أحد فوق القانون والاهتمام بمبدأ الفصل التام بين السلطات وعدم سيطرة القائد على كل مفاصل الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية وإن لا تحتكر كل هذه المفاصل بيد شخص أو حزب أو طائفة أو قومية بل كلٍّ يأخذ دورة وحقوقه بعد أن يؤدي واجباته دون تجاوز على الصلاحيات.هذا ما وددت ذكره في هذا المجال لإيجاز سريع عن معوقعات التحول الديمقراطي التي رافقت الربيع العربي. وكل ما جرى ويجري لا بدّ أن نعتبره أمر واقع وتدرس أسبابه ففي كل الدول الديمقراطية مرت بضروف أعقد وأشد مما نحن فيه فمن يقرأ التاريخ يجد أن دولاً تجاوزت نصف قرن أو قرن وأكثر بعدها أمست دولاً ديمقراطية يشار لها بالبنان. فلكل شيء ثمن وأغلى الأثمان هي الحرية فما جرى ويجري يستوجب دراسة وبحوث ومناقشات وندوات لكل المعنيين عدا المثبطين أو اليائسين حتى نصل بأقرب وقت إلى بر الأمان وشاطئ الحرية لتزدهر الأوطان ببناء دولة المواطنة لا دولة فلان ولا الحزب ولا الطائفة .. الخ